السبت، 23 أغسطس 2008

اعذروني ، أنا جاهلة !!

اعذروني ، أنا جاهلة !! حدث معي هذا الموقف حينما كنا في زيارة لإحدى صديقات أمي . كانت امرأة طيبة
القلب و تحب عمل الخير . و أثناء تجاذبنا أطراف الحديث قادتنا دفة النقاش إلى
الحديث عن الانترنت والمواقع المتنوعة ، ومواقع البريد الالكتروني المختلفـة ،
فألفينـا أنـا وأختي نستوضح منها عدة أشياء (كمستخدمين جدد للإنترنت) و من بينها
كيفية عمل بريد الكتروني على الشبكة ، فما كان منها إلا أن حانت منها التفاتة تجاه
ابنتها وقالت بعيون ملؤها الحزن والتوسل : " أخبريهم أنـت يـا ابنتـي ،
فإني جاهلة !! " قالتها بكل براءة وألم ارتسمت أماراتهما سريعا على وجهها ، قالتها ،
و ظل سؤال يلح في أعماقي على أثر مقولتها : هل من الواجب ، أو حتى من الصواب
على الإنسان أن يعترف بجهله ؟ و هل الاعتراف بالجهل ينتقص من قدر المرء ؟ و
سرعان ما تبادر إلى ذهني قول الإمام ابن القيم الجوزية : " من قال لا أعرف فقد
أفتـى " .
كما أنني قرأت في أحد الكتب التي تروي سير الصحابة رضوان الله عليهم
أجمعين أنه في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه ، بالغ النساء في مقدار
المهور فخطب عمر بن الخطاب في الناس خطبة حدد فيها مقدارا معينا للمهر ، فقامت
واحدة من النساء و قالت لعمر بن الخطاب : إن الله سبحانه و تعالى يقول : " وإن
أردتم استبـدال زوج مكـان زوج و آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه
بهتانا وإثما مبينـا " سورة النسـاء ( الآية :20 ) . فما كان منه رضي الله عنه
وأرضاه إلا أن قال : " أصابت امرأة و أخطأ عمر " ، وفي رواية : " كل الناس أفقه
منك يا عمر " . هكذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و هو واحد من أعظم
صحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ومن العشرة المبشرين بالجنة ، وخليفة
المسلمين و أميرهم آنذاك . قالها بكل و قوة و شجاعة و دونما جبن و ارتباك :
" أصابت امرأة وأخطأ عمر " ، و لم يقل لتلك المرأة ـ مثلا ـ : " كيف تجرئين
و تجادليني و أنا الخليفة ، وأنت امرأة ؟! " تالله إننا لنفتقد في زماننا ذاك النمط من الشجاعة والصدق في الاعتراف بالخطأ ،
سواء في المدارس ، أو الجامعات أو ، في أماكن العمل أو ، حتى داخل الأسرة . كل
مدرس ، أو أستاذ ، أو مدير ، أو أم ، أو أب يظن نفسه علامة و يرفض نقض الآخرين
وآرائهم ، ويعد هذا انتقاصا لقدرة و مركزه( المرموق ) . و في الوا قع ، لا أدري من
أفتى لهم بذلك ، فلم يحدث مثلا أن أحدا قال عن عمر بن الخطاب رضي الله عنـه أنـه
( وحاشا لله ) رجل جاهل أو أن النساء أفقه منه عندما قال مقولته تلك . فعندما يعترف
الإنسان بأنه جاهل بشئ ما أو أنه على غير دراية تامة بموضوع معين فإن هذا لا
يدخله البتة في زمرة الجاهلين أو الأغبياء ! وإلا ما حدا هذا بابن القيم الجوزية وهو
الإمام العلامة أن يقول مقولته السابق ذكرها : " من قال لا أعرف فقد أفتى " . وقال
صلى الله عليه و سلم : " لا يدخل الجنة من فيه مثقال ذرة من كبر " . و كثير من التابعين ، والصحابة ، والعلماء لم يستنكفوا أبدا الاعتراف بجهلهم ، أو
قل بقلة علمهم (و هم فطاحل العلم و اللغة ) ، فقد قال الإمام السيوطي و اصفا علمـه
" إنما علمي هذا قطرة في بحر علم الله سبحانه ، لقوله تعالى : " و ما أوتيتم من العلم
إلا قليلا " . قال هذا وهو واحد من كبار العلماء الذين تفوقوا في علوم الإسلام وبرزوا
فيها و لكن علمه ـ مع هذا كله ـ لا يكاد يعد شيئا من علم الله سبحانه . ومن الجانب الآخر، نرى كبار المسؤوليين والرؤساء وممثلى الدول لا يحسنون
التحدث بلغتهم الأم ( العربية ) ، ولا التعبير عن مطالب شعوبهم ، ويعدون من كبار
الجهلة في العالم ، ومع هذا يضعون أنفسهم في مصاف العلماء و السادة ، أناس
يستنكفون الاعتراف بجهلهـم ( و هـم كذلك ) . وقـد حكى لـي أخي الصغيـر مـرة
( وهو تلميذ في المرحلة الابتدائيـة ) أن مـدرس اللغة الإنجليزية أخطأ فـي نطق كلمة
فأخبـره أخي ( بـأدب ) بالنطق الصحيح للكلمة ، فما كـان مـن المدرس إلا أن احمر
و جهه من الغضب ، ورد عليه قائـلا : " هو أنـا حمار يا ولد ! " . و من وقتها لم يفكر
أخي أبدا بمناقشة أي مـن أساتذتـه ( الجاهلين ) فيمـا تلا ذلـك من سنوات الدراسة ،
فقد علمه ذلك الموقف درسـا مهما ، و قاسيا في آن واحد ألا وهو : لا تجادل أبدا
إنسانا علامة في نظر ( نفسه ) جاهلا كل الجهل في نظر من هم أعلم منه . كما أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال " ثلاث مهلكات : شح مطاع ، وهوى متبع ، و إعجاب
المرء بنفسه " . و في الختام أدعو الله تبارك و تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يستمعون القول
فيتبعون أحسنه ، و تذكروا دائما إخواني و أخواتي في الله أن " الله يعلم و أنتم لا
تعلمون " سورة البقرة ( الآية : 216 ) .

0 التعليقات: