الاثنين، 25 أغسطس 2008

بالله عليكم لا تقلبوا الموازيين !!

بالله عليكم لا تقلبوا الموازين للأسف الشديد ، هناك الكثير من التصرفات و الأفعال الخاطئة ، و التي أصبحت جزءا من حياتنا ، و إيمانا راسخا في قلوبنا . فمثلا ، تجد أحدهم في رمضان يسئ معاملة الناس ، و يسب ، و يشتم ، ثم يقول بكل برود : " اعذروني ، فأنا صائم !! " . والأدعى من ذلك أنك تسمع إحدى المعلمات تقول لتلامذتها : " أنا صائمة ، فاتقوا شري !! " . و الله ، مفاهيم غريبة و عجيبة ، لا أدري من أين جاؤوا بها ، علاوة على أنها منافية لأمر نبينا عليه الصلاة و السلام ، حين قال : " إذا كان يوم صوم أحدكم ، فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أوقاتله ، فليقل : " إنـي صائـم " . و لـيس أن أرفث أنـا وأصخب و أقاتـل النـاس، ثم أقول بكـل غطرسة و تكبـر : " سامحوني ، فأنا صائمة " ، و من المفترض على الناس بعد ذلك أن يسامحوني بغض النظر عما فعلت ، و ذلك فحسب لأني صائمة . سبحان الله ، و كاننا نمن عل الله بصيامنا ، أو كأننا وحدنا الصائمون لا غير . فهذه المدرسة مثلا ـ و التي أوردت ذكرها آنفا ـ لم تراعي بأن الطلاب الذين أمامها هم كذلك متعبون و صائمون مثلها تماما . كما أن المسلم في الأصل هو من سلم المسلمون من لسانه و يده ، فكيف بأفضل الشهور ، وأكثرها بركة ، وتحصيلا للأجر والمغفرة ؟! و قد قال صلى الله عليه و سلم : " رب امرئ ليس له من صيامه إلا الجوع و العطش " . و هناك ميزان آخر قد قلب ، و هـو الطريقـة التـي يتم بهـا تقدير النـاس و احترامهم ، و خاصة بين الصغير و الكبير . فمثلا ، أذكر أننا عندما كنا صغارا ، و إلى أتممنا المرحلة الثانوية ، كنا عندما يدخل علينا أي مدرس أو مدرسة في الفصل نسرع بالوقوف ، مقدمين بذلك فروض الولاء و الطاعة . وتبين لي مؤخرا ، عندما كنت أقرأ سيرة نبينا صالى الله عليه و سلم ، أن هذه العادة خاطئة و لا تعبر عن أي نوع من الاحترام أو التقدير . و ذلك فضلا عن أنها ليست من الإسلام في شئ ، فقد حدث أبو أمامة فقال : " خرج علينا الرسول صلى الله عليه و سلم متوكئا على عصا ، فقمنا له ، فقال : " لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضها بعضا " ، و قال ( من فرط تواضعه صلى الله عليه و سلم ) : " إنما أنا عبد ، آكل كما يأكل العبد ، و أجلس كما يجلس العبد " . و قال كذلك : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، و إنما أنا عبد فقولوا : عبد الله و رسوله " ، و نلاحظ أن جميع صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم كانوا ينادونه : " يا رسول الله " . وفي سياق حديثنا عن احترام و تقدير الآخرين ، إنه ليحزنني أن أرقب كبار المسؤولين ، والرؤساء ، والمدرسين كذلك ، ممن اغتروا بأنفسم و ركبهم مرض الكبريـاء و العجـب ( بضم العين و سكون الجيم ، وهو الكبر و الزهو ) بالنفـس ( بغير مبرر ) . و مع هذا نرى الكثير من ضعاف النفوس ( و الأجدر تسميتهم المنافقين ، فهم يقدومن لهم فروض الاحترام و يبجلونهم ، وهم من ورائهم يحملون لهم كل الكـره والضغينة ، مع الملاحظة أن هذا التصرف الأرعن ، والـذي يتككـرر كثيـرا ـ للأسف ـ و بطرق مختلفة ، هو من أسباب ضعف الأمة و هوانها ) . و أذكر هنا موقف نبينا عليه الصلاة و السلام ، عندما دخل عليه رجل ، فأصاب الرجل من هيبة النبي صلى الله عليه و سلم رعدة ، فقال عليه أفضل الصلاة و السلام : " هون على نفسك ، فإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد " ، فما أعظمك يا رسول الله صلى الله عليه و سلـم ، فرغم علـو مكانتـك وقدرك لم تنس ماذا كنت في الأصل ، و كيف أكرمك الله سبحانه و تعالى كما قال تعالى في سورة الضحى ، يخاطب نبينا عليه الصلاة و السلام : " ألم يجدك يتيما فئاوى ، و وجدك ضالا فهدى ، و وجدك عائلا فأغنى " . لم ينس النبي صلى الله عليه و سلم ( رغم عظمه ، و جلاله ) ماذا كان في الأمس ، و كيف غدا اليوم بفضل الله ، فأكرمه الله سبحانه و تعالى في الدنيا و الآخرة . و في ذات السياق ، أذكر أنه في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه ، بالغ النساء في مقدار المهور فخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الناس خطبة حدد فيها مقدارا معينا للمهر ، فقامت واحدة من النساء ، وقالت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن الله سبحانه و تعالى يقول : " وإن أردتم استبـدال زوج مكـان زوج و آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينـا " سورة النسـاء ( الآية :20 ) . فما كان منه رضي الله عنه وأرضاه إلا أن قال : " أصابت امرأة و أخطأ عمر " ، وفي رواية : " كل الناس أفقه منك يا عمر " . هكذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهو واحد من أعظم صحابة رسول الله صلى الله عليـه وسلم ، ومن العشرة المبشرين بالجنة ، وخليفة المسلمين و أميرهم آنذاك . قالها بكل قوة و شجاعة و دونما جبن و ارتباك : " أصابت امرأة وأخطأ عمر " ، و لم يقل لتلك المرأة ـ مثلا ـ : " كيف تجرئين و تجادليني و أنا الخليفة ، وأنت امرأة ؟! "و روي كذلك ، أنه رضي الله عنه كان يحادث نفسه ذات مرة ، فقال : كنت وضيعا فرفعك الله ، وكنـت ضالا فهداك الله ، و كنت ذليلا فأعـزك الله ، فمـا تقول لربـك ؟ تصوروا إخواني في الله أن هذا سؤال يسأله لنفسه أحد الصحابة الكرام ، وأحـد العشـرةالمبشرين بالجنة ، فيقول: فما تقول لربك غدا ؟! و من هنا أدعو كل متكبر و معجب بنفسه إلى يتوب إلى الله و يعود غليه ، و أن يتذكر أصله ومن كان قبل أن يكرمه الله و يمن عليه .
أما الميزان الثالث ، و الذي قلب كذلك فهو عدم سيرنا على نهج نبينا ، والسير تبع أهوائنا ، و ما تمليه عليه نفسنا الأمارة بالسوء . فقد حكـا لي أخي الصغير إنه عندما ذهب مـرة المسجد مبكرا ، وقف في الصف الأمامـي . فلما امتـلأ المسجد بالمصلين ، أمـر أحد المصلين أخـي الصغير بالرجوع إلـى آخر الصفوف ، و ذلك بحجة أن يستـوي الصف ( فأخي قصير القامة ، باعتباره صغيرا ) . وهذا يناقض مـا قام به نبينا عليه الصلاة والسلام مع اختلاف غير جوهري في الموقف ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلـي وهـو يحمل أمامـة بنت زينب ابنته رضي الله عنها و أرضاها ، فكان يحملها علـى عاتقه وهـو يصلـي ، فـإذا سجـد و ضعها ، وإذا قام حملها على عاتقه . ولم يمنعه هذا من الخشوع في الصلاة . و آخر ما أرويه لكم عن الموازيين المقلوبة في حياتنا ، هو قـول البعض ـ هداهـم الله ـ وأغلبهم من النساء والمسلمات كذلك : أن التديـن الحقيقـي ليـس الحجـاب ، ولا اللحية ، ولا الصلاة ، و لكن الأخلاق الحسنة ....إلخ هذه الاسطوانة المشروخة ـ رغم ما فيها من صحة ـ و هم يستشهدون في مقالتهم هذه بقول الرسول صلى الله عليه و سلـم : " إن الله لا ينظـر إلـى صوركم و أشكالكم ، و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم " . و رغم هذا ، فمقالتهم مردود عليها ، و أقول في الرد على هؤلاء ( و أرجو أن تسامحوني في مقولتي هذه ) : " هل تقبلون أن تخرج امرأة عارية إلى الشارع ، و إذا سألت عن سبب ذلك قالت بكل بساطة : " ليس المهم المظهر بل الجوهر ؟! " ، و هو بالضبط ما يزعمه هؤلاء . و أرد عليهم كذلك بحديث نبينا صلى الله عليه و سلم : " الإيمان ما و قر في القلب ، و صدقه بالعمل " ، فلو كان باطن الإنسان سليما ، وجب أن يكون ظاهره كذلك . كما أن عليهم ألا ينسوا أنهم يجادلون في فروض الله ، و أوامر النبي صلى الله عليه السلام ، و هذا ما ليس لهم حق الخوض فيه ، كما قال تعالـى في سورة الحشر : " و ما آتاكم الرسول فخذوه ، و ما نهاكم عنه ، فانتهوا " . فأما مـاورد فـي القرآن عن الصلاة و الحجاب فهو واضح و بين . و إنما أكتفي هنا بذكر حديث الرسول صلـى الله عليهو سلم عن اللحى : " أعفو الشوارب ، و أرخو اللحى " . و كذلك حديثه عن حسن الخلق لتمام المعنى ، و للتأكيد على أهمية كل من مظهر المسلم أو المسلمة ، وأفعالهمـا ، وخلقهمـا، فيقول صلى الله عليه و سلم : " ما من شئ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق " . وكذلك : " إن من أحبكم إلي ، و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقا " . وقال كذلك : " أنا زعيم لبيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ، وإن كان محقا . وزعيم لبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب ، وإن كان مازحا. وزعيم لبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " ، ( وزعيم أي ضامن ) . فبالله عليكم لا تجادلوا في فروض الله ، و أوامر النبي صلى الله عليه وسلم . و إذا أردتم وعظ الناس ، فقولوا التي هي أحسن . و أخيرا و ليس آخرا ، لا تقلبوا الموازيين . " واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .

0 التعليقات: